فصل: فَصْلٌ: (في تعريف اللقطة)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج ***


فَصْلٌ‏:‏ ‏[‏فِي بَيَانِ حُكْمِ الْمُلْتَقَطِ‏]‏

المتن‏:‏

الْحَيَوَانُ الْمَمْلُوكُ الْمُمْتَنِعُ مِنْ صِغَارِ السِّبَاعِ بِقُوَّةٍ كَبَعِيرٍ وَفَرَسٍ أَوْ بِعَدْوٍ كَأَرْنَبٍ وَظَبْيٍ، أَوْ طَيَرَانٍ كَحَمَامٍ إنْ وُجِدَ بِمَفَازَةٍ فَلِلْقَاضِي الْتِقَاطُهُ لِلْحِفْظِ وَكَذَا لِغَيْرِهِ فِي الْأَصَحِّ، وَيَحْرُمُ الْتِقَاطُهُ لِتَمَلُّكٍ، وَإِنْ وُجِدَ بِقَرْيَةٍ فَالْأَصَحُّ جَوَازُ الْتِقَاطِهِ لِلتَّمَلُّكِ، وَمَا لَا يَمْتَنِعُ مِنْهَا كَشَاةٍ يَجُوزُ الْتِقَاطُهُ لِلتَّمَلُّكِ فِي الْقَرْيَةِ وَالْمَفَازَةِ، وَيَتَخَيَّرُ آخِذُهُ مِنْ مَفَازَةٍ فَإِنْ شَاءَ عَرَّفَهُ وَتَمَلَّكَهُ أَوْ بَاعَهُ وَحَفِظَ ثَمَنَهُ وَعَرَّفَهَا ثُمَّ تَمَلَّكَهُ أَوْ أَكَلَهُ وَغَرِمَ قِيمَتَهُ إنْ ظَهَرَ مَالِكُهُ، فَإِنْ أَخَذَ مِنْ الْعُمْرَانِ فَلَهُ الْخَصْلَتَانِ الْأُولَيَانِ لَا الثَّالِثَةُ فِي الْأَصَحِّ، وَيَجُوزُ أَنْ يَلْتَقِطَ عَبْدًا لَا يُمَيِّزُ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

فَصْلٌ فِي بَيَانِ حُكْمِ الْمُلْتَقَطِ، وَهُوَ الرُّكْنُ الثَّالِثُ، وَالْمُلْتَقَطُ نَوْعَانِ‏:‏ أَحَدُهُمَا‏:‏ حَيَوَانٌ، وَثَانِيهِمَا جَمَادٌ، وَقَدْ شَرَعَ فِي النَّوْعِ الْأَوَّلِ، فَقَالَ‏:‏ ‏(‏الْحَيَوَانُ الْمَمْلُوكُ‏)‏ بِأَثَرٍ يَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ كَوَسْمٍ وَتَعْلِيقِ قُرْطٍ ‏(‏الْمُمْتَنِعُ مِنْ صِغَارِ السِّبَاعِ‏)‏ كَالنَّمِرِ وَالْفَهْدِ وَالذِّئْبِ، ثُمَّ فَصَّلَ امْتِنَاعَ الْحَيَوَانِ بِقَوْلِهِ ‏(‏بِقُوَّةٍ‏)‏ يَمْتَنِعُ بِهَا ‏(‏كَبَعِيرٍ‏)‏ كَبِيرٍ ‏(‏وَفَرَسٍ‏)‏ وَبَغْلٍ وَحِمَارٍ ‏(‏أَوْ‏)‏ يَمْتَنِعُ ‏(‏بِعَدْوٍ‏)‏ أَيْ جَرْيٍ ‏(‏كَأَرْنَبٍ وَظَبْيٍ أَوْ‏)‏ يَمْتَنِعُ بِسَبَبِ ‏(‏طَيَرَانٍ كَحَمَامٍ‏)‏ وَهُوَ كُلُّ مَا عَبَّ وَهَدَرَ كَقُمْرِيٍّ وَيَمَامٍ ‏(‏إنْ وُجِدَ‏)‏ هَذَا الْحَيَوَانُ ‏(‏بِمَفَازَةٍ‏)‏ وَهِيَ الْمُهْلِكَةُ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ عَلَى الْقَلْبِ تَفَاؤُلًا بِالْفَوْزِ ‏(‏فَلِلْقَاضِي‏)‏ أَوْ مَنْصُوبِهِ ‏(‏الْتِقَاطُهُ لِلْحِفْظِ‏)‏ عَلَى مَالِكِهِ لَا لِلتَّمَلُّكِ؛ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةً عَلَى أَمْوَالِ الْغَائِبِينَ، وَكَانَ لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ حَظِيرَةٌ يَحْفَظُ فِيهَا الضَّوَالَّ‏.‏ رَوَاهُ مَالِكٌ ‏(‏وَكَذَا لِغَيْرِهِ‏)‏ أَيْ الْقَاضِي مِنْ الْآحَادِ الْتِقَاطُهُ لِلْحِفْظِ أَيْضًا ‏(‏فِي الْأَصَحِّ‏)‏ الْمَنْصُوصِ فِي الْأُمِّ لِئَلَّا يَأْخُذَهُ خَائِنٌ، وَالثَّانِي لَا، إذْ لَا وِلَايَةَ لِلْآحَادِ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

مَحَلُّ الْخِلَافِ كَمَا قَالَهُ الدَّارِمِيُّ إذَا لَمْ يُعْرَفْ مَالِكُهُ فَإِنْ عَرَفَهُ، وَأَخَذَهُ لِيَرُدَّهُ عَلَيْهِ كَانَ فِي يَدِهِ أَمَانَةً جَزْمًا حَتَّى يَصِلَ إلَيْهِ‏.‏ قَالَ السُّبْكِيُّ‏:‏ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ أَخْذِ الْحَاكِمِ إذَا خَشِيَ عَلَيْهِ الضَّيَاعَ‏.‏ أَمَّا إذَا أُمِنَ عَلَيْهِ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَعَرَّضَ لَهُ حَتَّى يَأْتِيَ صَاحِبُهُ‏.‏ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ وَهَذَا أَحْسَنُ فِي غَيْرِ الْحَاكِمِ ا هـ‏.‏

وَهُوَ ظَاهِرٌ ‏(‏وَيَحْرُمُ الْتِقَاطُهُ‏)‏ أَيْ الْحَيَوَانِ الْمُمْتَنِعِ فِي الْأَمْنِ ‏(‏لِتَمَلُّكٍ‏)‏ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ لِمَا مَرَّ فِي حَدِيثِ زَيْدٍ فِي ضَالَّةِ الْإِبِلِ ‏{‏مَا لَكَ وَلَهَا دَعْهَا‏}‏، وَقِيسَ الْبَاقِي عَلَيْهَا بِجَامِعِ إمْكَانِ رَعْيِهَا فِي الْبَرِّيَّةِ بِلَا رَاعٍ، فَمَنْ أَخَذَهُ لِلتَّمَلُّكِ ضَمِنَهُ، وَلَا يَبْرَأُ بِرَدِّهِ إلَى مَوْضِعِهِ، وَيَبْرَأُ بِدَفْعِهِ إلَى الْقَاضِي عَلَى الْأَصَحِّ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ‏.‏ أَمَّا زَمَنُ النَّهْبِ وَالْفَسَادِ، فَيَجُوزُ أَخْذُهُ لِلتَّمَلُّكِ فِي صَحْرَاءَ وَغَيْرِهَا‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

تَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ أَوَّلًا بِالْمَمْلُوكِ يُخْرِجُ صُوَرًا‏:‏ مِنْهَا الْكَلْبُ‏.‏ وَمِنْهَا الْهَدْيُ‏.‏ وَمِنْهَا الْمَوْقُوفُ‏.‏ وَمِنْهَا الْمُوصَى بِمَنْفَعَتِهِ أَبَدًا، وَقَدْ مَرَّ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ ‏(‏وَإِنْ وُجِدَ بِقَرْيَةٍ‏)‏ أَوْ بَلْدَةٍ أَوْ مَا قَرُبَ مِنْ ذَلِكَ ‏(‏فَالْأَصَحُّ جَوَازُ الْتِقَاطِهِ لِلتَّمَلُّكِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ فِي الْعُمْرَانِ يَضِيعُ بِامْتِدَادِ الْيَدِ الْخَائِنَةِ إلَيْهِ بِخِلَافِ الْمَفَازَةِ، فَإِنَّ طُرُوقَهَا لَا يَعُمُّ‏.‏ وَالثَّانِي الْمَنْعُ كَالْمَفَازَةِ لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ‏.‏ وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ سِيَاقَهُ يَقْتَضِي الْمَفَازَةَ بِدَلِيلِ ‏{‏دَعْهَا تَرِدُ الْمَاءَ وَتَرْعَى الشَّجَرَ‏}‏‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

يُسْتَثْنَى مِنْ جَوَازِ الِالْتِقَاطِ لِلتَّمَلُّكِ صُوَرٌ‏:‏ مِنْهَا لُقَطَةُ الْحَرَمِ كَمَا سَيَأْتِي‏.‏ وَمِنْهَا الْجَارِيَةُ الَّتِي تَحِلُّ لَهُ، فَإِنَّهُ لَا يَتَمَلَّكُهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اقْتِرَاضُهَا ‏(‏وَمَا‏)‏ أَيْ وَالْحَيَوَانُ الَّذِي ‏(‏لَا يَمْتَنِعُ مِنْهَا‏)‏ أَيْ صِغَارِ السِّبَاعِ ‏(‏كَشَاةٍ‏)‏ وَعِجْلٍ وَفَصِيلٍ مِنْ الْحَيَوَانِ الْمَأْكُولِ وَكَسَيْرِ خَيْلٍ وَإِبِلٍ ‏(‏يَجُوزُ‏)‏ لِقَاضٍ وَغَيْرِهِ ‏(‏الْتِقَاطُهُ لِلتَّمَلُّكِ فِي الْقَرْيَةِ‏)‏ وَنَحْوِهَا ‏(‏وَالْمَفَازَةِ‏)‏ صَوْنًا لَهُ عَنْ الْخَوَنَةِ وَالسِّبَاعِ لِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ فِي الشَّاةِ ‏{‏هِيَ لَكَ أَوْ لِأَخِيكَ أَوْ لِلذِّئْبِ‏}‏ ‏(‏وَيَتَخَيَّرُ‏)‏ فِيمَا لَا يَمْتَنِعُ ‏(‏آخِذُهُ‏)‏ بِمَدِّ الْهَمْزَةِ بِخَطِّهِ ‏(‏مِنْ مَفَازَةٍ‏)‏ بَيْنَ ثَلَاثِ خِصَالٍ كَمَا بَيَّنَهَا بِقَوْلِهِ ‏(‏فَإِنْ شَاءَ عَرَّفَهُ وَتَمَلَّكَهُ‏)‏ وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ مُدَّةَ التَّعْرِيفِ، فَإِنْ أَرَادَ الرُّجُوعَ اسْتَأْذَنَ الْحَاكِمَ فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ أَشْهَدَ كَمَا سَبَقَ فِي نَظِيرِهِ ‏(‏أَوْ‏)‏ أَيْ وَإِنْ شَاءَ ‏(‏بَاعَهُ‏)‏ مُسْتَقِلًّا إنْ لَمْ يَجِدْ حَاكِمًا، وَبِإِذْنِهِ إنْ وَجَدَهُ فِي الْأَصَحِّ ‏(‏وَحَفِظَ ثَمَنَهُ وَعَرَّفَهَا‏)‏ أَيْ اللُّقَطَةَ الَّتِي بَاعَهَا، وَكَانَ تَعْرِيفُهَا بِمَكَانٍ يَصْلُحُ لِلتَّعْرِيفِ ‏(‏ثُمَّ تَمَلَّكَهُ‏)‏ أَيْ الثَّمَنَ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

إنَّمَا لَمْ يَقُلْ وَعَرَّفَهُ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ عَوْدُ الضَّمِيرِ لِلثَّمَنِ مَعَ أَنَّهُ لَا يُعَرَّفُ ‏(‏أَوْ‏)‏ أَيْ وَإِنْ شَاءَ ‏(‏أَكَلَهُ‏)‏ مُتَمَلِّكًا لَهُ ‏(‏وَغَرِمَ قِيمَتَهُ إنْ ظَهَرَ مَالِكُهُ‏)‏ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ التَّعْرِيفَ فِي الْخَصْلَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ دُونَ الثَّالِثَةِ كَالصَّرِيحِ فِي أَنَّهُ لَا يَجِبُ بَعْدَ أَكْلِهَا تَعْرِيفُهُ، وَهُوَ الظَّاهِرُ عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِيهِ، وَصَحَّحَهُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ‏.‏ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ لَكِنْ الَّذِي يُفْهِمُهُ إطْلَاقُ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ يَجِبُ أَيْضًا قَالَ‏:‏ وَلَعَلَّ مُرَادَ الْإِمَامِ أَنَّهَا لَا تُعَرَّفُ بِالصَّحْرَاءِ لَا مُطْلَقًا ا هـ‏.‏

وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

التَّخْيِيرُ بَيْنَ هَذِهِ الْخِصَالِ لَيْسَ تَشَهِّيًا، بَلْ عَلَيْهِ فِعْلُ الْأَحَظِّ كَمَا بَحَثَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ قِيَاسًا عَلَى مَا يُمْكِنُ تَجْفِيفُهُ، وَزَادَ الْمَاوَرْدِيُّ خَصْلَةً رَابِعَةً، وَهِيَ تَمَلُّكُهُ فِي الْحَالِ وَتَبْقِيَتُهُ حَيًّا لِدَرٍّ وَنَسْلٍ قَالَ‏:‏ لِأَنَّهُ لَمَّا اسْتَبَاحَ تَمَلُّكَهُ مَعَ اسْتِهْلَاكِهِ، فَأَوْلَى أَنْ يَسْتَبِيحَ تَمَلُّكَهُ مَعَ اسْتِبْقَائِهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ مَنْعُهَا؛ لِأَنَّ الْأُولَى عُلِّلَتْ بِالْقِيَاسِ عَلَى غَيْرِهَا‏.‏

وَأَمَّا الثَّانِيَةُ؛ فَلِأَنَّهُ إذَا جَازَ الْأَكْلُ فَالْبَيْعُ أَوْلَى‏.‏

وَأَمَّا الثَّالِثَةُ فَبِالْإِجْمَاعِ كَمَا حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَالْقِيمَةُ الْمُعْتَبَرَةُ قِيمَةُ يَوْمِ الْأَخْذِ إنْ أُخِذَ لِلْأَكْلِ وَقِيمَةُ يَوْمِ التَّمَلُّكِ إنْ أُخِذَ لِلتَّعْرِيفِ كَمَا حَكَاهُ عَنْ بَعْضِ الشُّيُوخِ، وَأَقَرَّاهُ ‏(‏فَإِنْ أَخَذَ مِنْ الْعُمْرَانِ، فَلَهُ الْخَصْلَتَانِ الْأُولَيَانِ‏)‏ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَبِمُثَنَّاةٍ تَحْتِيَّةٍ، وَهُمَا الْإِمْسَاكُ وَالْبَيْعُ ‏(‏لَا الثَّالِثَةُ‏)‏ وَهِيَ الْأَكْلُ ‏(‏فِي الْأَصَحِّ‏)‏ وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ بِالْأَظْهَرِ‏.‏ وَالثَّانِي لَهُ الْأَكْلُ أَيْضًا كَمَا فِي الصَّحْرَاءِ‏.‏ وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّهُ إنَّمَا أُبِيحَ لَهُ الْأَكْلُ فِي الصَّحْرَاءِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَجِدُ فِيهَا مَنْ يَشْتَرِيهِ بِخِلَافِ الْعُمْرَانِ، وَيَشُقُّ النَّقْلُ إلَيْهِ‏.‏ أَمَّا غَيْرُ الْمَأْكُولِ كَالْجَحْشِ الصَّغِيرِ، فَفِيهِ الْخَصْلَتَانِ الْأُولَيَانِ، وَلَا يَجُوزُ تَمَلُّكُهُ فِي الْحَالِ بَلْ بَعْدَ تَعْرِيفِهِ، وَإِذَا أَمْسَكَ لُقَطَةَ الْحَيَوَانِ، وَتَبَرَّعَ بِالْإِنْفَاقِ، فَذَاكَ، وَإِنْ أَرَادَ الرُّجُوعَ أَنْفَقَ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ أَشْهَدَ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

الْمُرَادُ بِالْعُمْرَانِ الشَّارِعُ وَالْمَسَاجِدُ وَنَحْوُهَا؛ لِأَنَّهَا مَعَ الْمَوَاتِ مَحَالُّ اللُّقَطَةِ كَمَا عُلِمَ مِنْ تَعْرِيفِ اللُّقَطَةِ ‏(‏وَيَجُوزُ أَنْ يَلْتَقِطَ عَبْدًا لَا يُمَيِّزُ‏)‏ فِي زَمَنِ أَمْنٍ أَوْ نَهْبٍ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ، وَمُمَيِّزًا وَقْتَ نَهْبٍ بَلْ قَدْ يَجِبُ الِالْتِقَاطُ إنْ تَعَيَّنَ طَرِيقًا لِحِفْظِ رُوحِهِ، وَلَا يَجُوزُ الْتِقَاطُ الْمُمَيِّزِ فِي الْأَمْنِ لَا فِي مَفَازَةٍ وَلَا فِي غَيْرِهَا؛ لِأَنَّهُ يَسْتَدِلُّ فِيهِ عَلَى سَيِّدِهِ، فَيَصِلُ إلَيْهِ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ صُورَةُ الْتِقَاطِ الْعَبْدِ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ مُشْكِلَةٌ لِمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ اللَّقِيطِ أَنَّ مَنْ لَا يُعْرَفُ رِقُّهُ وَلَا حُرِّيَّتُهُ أَنَّهُ مَحْكُومٌ بِحُرِّيَّتِهِ، فَكَيْفَ يُلْتَقَطُ، وَإِنْ عُرِفَ رِقُّهُ بِبَيِّنَةٍ عُرِفَ مَالِكُهُ، فَكَيْفَ صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ‏؟‏‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ الرِّقَّ يُعْرَفُ بِعَلَامَةٍ كَعَلَامَةِ الْحَبَشَةِ وَالزِّنْجِ أَوْ أَنَّهُ عُرِفَ رَقِّهِ وَجُهِلَ مَالِكُهُ، ثُمَّ وَجَدَهُ ضَالًّا، وَكَذَلِكَ يَأْتِي هَذَا فِي مَعْرِفَةِ كَوْنِ الْأَمَةِ مَجُوسِيَّةً‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

خَرَجَ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ عَبْدًا الْأَمَةُ، فَإِنَّهَا إنْ حَلَّتْ لِلْمُلْتَقِطِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَلْتَقِطَهَا لِلتَّمَلُّكِ بَلْ لِلْحِفْظِ، وَإِنْ لَمْ تَحِلَّ لَهُ كَمَجُوسِيَّةٍ وَمَحْرَمٍ جَازَ لَهُ الْتِقَاطُهَا، وَقَدْ مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَى ذَلِكَ، وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ فِي الْتِقَاطِ الرَّقِيقِ الْخَصْلَتَيْنِ الْأُولَتَيْنِ، وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ مُدَّةَ الْحِفْظِ مِنْ كَسْبِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ كَسْبٌ، فَعَلَى مَا مَرَّ آنِفًا فِي غَيْرِ الرَّقِيقِ، وَإِذَا بِيعَ، ثُمَّ ظَهَرَ الْمَالِكُ، وَقَالَ‏:‏ كُنْتُ أَعْتَقْتُهُ قُبِلَ قَوْلُهُ، وَحُكِمَ بِفَسَادِ الْبَيْعِ عَلَى الْأَظْهَرِ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ وَالتَّقْيِيدُ بِالْعِتْقِ قَدْ يُوهِمُ عَدَمَ تَصْدِيقِهِ فِيمَا عَدَاهُ كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ لِأَجْلِ مَا يُتَخَيَّلُ مِنْ قُوَّةِ الْعِتْقِ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ سَائِرُ التَّصَرُّفَاتِ الْمُزِيلَةِ لِلْمِلْكِ كَذَلِكَ كَمَا ذَكَرَاهُ قُبَيْلَ الصَّدَاقِ‏.‏

المتن‏:‏

وَيَلْتَقِطَ غَيْرَ الْحَيَوَانِ فَإِنْ كَانَ يَسْرُعُ فَسَادُهُ كَهَرِيسَةٍ فَإِنْ شَاءَ بَاعَهُ وَعَرَّفَهُ لِيَتَمَلَّكَ ثَمَنَهُ وَإِنْ شَاءَ تَمَلَّكَهُ فِي الْحَالِ وَأَكَلَهُ، وَقِيلَ إنْ وَجَدَهُ فِي عُمْرَانٍ وَجَبَ الْبَيْعُ، وَإِنْ أَمْكَنَ بَقَاؤُهُ بِعِلَاجٍ كَرُطَبٍ يَتَجَفَّفُ فَإِنْ كَانَتْ الْغِبْطَةُ فِي بَيْعِهِ بِيعَ، أَوْ فِي تَجْفِيفِهِ وَتَبَرَّعَ بِهِ الْوَاجِدُ جَفَّفَهُ، وَإِلَّا بِيعَ بَعْضُهُ لِتَجْفِيفِ الْبَاقِي‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

ثُمَّ شَرَعَ فِي النَّوْعِ الثَّانِي، فَقَالَ‏:‏ ‏(‏وَ‏)‏ أَنْ ‏(‏يَلْتَقِطَ غَيْرَ الْحَيَوَانِ‏)‏ وَهُوَ الْجَمَادُ سَوَاءٌ أَكَانَ مَالًا كَالنُّقُودِ وَالثِّيَابِ أَمْ غَيْرَ مَالٍ كَجِلْدِ مَيْتَةٍ لَمْ يُدْبَغْ وَخَمْرٍ مُحْتَرَمَةٍ لِلِاخْتِصَاصِ أَوْ الْحِفْظِ ‏(‏فَإِنْ كَانَ‏)‏ مِمَّا ‏(‏يَسْرُعُ فَسَادُهُ كَهَرِيسَةٍ‏)‏ وَعِنَبٍ لَا يَتَزَبَّبُ وَرُطَبٍ لَا يَتَتَمَّرُ تَخَيَّرَ آخِذُهُ بَيْنَ خَصْلَتَيْنِ ‏(‏فَإِنْ شَاءَ بَاعَهُ‏)‏ اسْتِقْلَالًا إنْ لَمْ يَجِدْ حَاكِمًا وَبِإِذْنِهِ إنْ وَجَدَهُ آخِذًا مِمَّا مَرَّ ‏(‏وَعَرَّفَهُ‏)‏ أَيْ الْمَبِيعَ بَعْدَ بَيْعِهِ ‏(‏لِيَتَمَلَّكْ ثَمَنَهُ‏)‏ بَعْدَ التَّعْرِيفِ وَلَا يُعَرِّفُ الثَّمَنَ، وَهَذِهِ الْخَصْلَةُ أَوْلَى مِنْ الْخَصْلَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي قَوْلِهِ ‏(‏وَإِنْ شَاءَ تَمَلَّكَهُ فِي الْحَالِ وَأَكَلَهُ‏)‏ وَغَرِمَ قِيمَتَهُ سَوَاءٌ أَوَجَدَهُ فِي مَفَازَةٍ أَمْ عُمْرَانٍ ‏(‏وَقِيلَ‏:‏ إنْ وَجَدَهُ فِي عُمْرَانٍ وَجَبَ الْبَيْعُ‏)‏ لِتَيَسُّرِهِ أَوْ امْتَنَعَ الْأَكْلُ، وَهُوَ قِيَاسُ مَا سَبَقَ فِي الشَّاةِ مِنْ تَصْحِيحِ مَنْعِ الْأَكْلِ‏.‏ وَمِنْهُمْ مَنْ قَطَعَ بِالْأَوَّلِ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّاةِ بِأَنَّ الطَّعَامَ قَدْ يَفْسُدُ قَبْلَ أَنْ يَظْفَرَ بِالْمُشْتَرِي، فَتَمَسُّ الْحَاجَةُ إلَى أَكْلِهِ، وَإِذَا جَوَّزْنَا الْأَكْلَ، فَأَكَلَ وَجَبَ التَّعْرِيفُ فِي الْعُمْرَانِ بَعْدَهُ، وَإِنْ كَانَ فِي الصَّحْرَاءِ‏.‏ قَالَ الْإِمَامُ‏:‏ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ، وَقَدْ مَرَّ الْكَلَامُ فِيهِ، وَلَا يَجِبُ إفْرَازُ الْقِيمَةِ الْمَغْرُومَةِ مِنْ مَالِهِ‏.‏ نَعَمْ لَا بُدَّ مِنْ إفْرَازِهَا عِنْدَ تَمَلُّكِهَا؛ لِأَنَّ مِلْكَ الدَّيْنِ لَا يَصِحُّ، قَالَهُ الْقَاضِي ‏(‏وَإِنْ أَمْكَنَ بَقَاؤُهُ‏)‏ أَيْ مَا يَسْرُعُ فَسَادُهُ‏.‏ لَكِنْ ‏(‏بِعِلَاجٍ‏)‏ فِيهِ ‏(‏كَرُطَبٍ يَتَجَفَّفُ‏)‏ أَيْ يُمْكِنُ تَجْفِيفُهُ وَلَبَنٍ يَصِيرُ أَقِطًا ‏(‏فَإِنْ كَانَتْ الْغِبْطَةُ فِي بَيْعِهِ بِيعَ‏)‏ جَمِيعُهُ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ إنْ وَجَدَهُ، وَإِلَّا اسْتِقْلَالًا كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا مَرَّ ‏(‏أَوْ‏)‏ كَانَتْ الْغِبْطَةُ ‏(‏فِي تَجْفِيفِهِ وَتَبَرَّعَ بِهِ الْوَاجِدُ‏)‏ لَهُ أَوْ غَيْرُهُ ‏(‏جَفَّفَهُ‏)‏؛ لِأَنَّهُ مَالُ غَيْرِهِ فَرُوعِيَ فِيهِ الْمَصْلَحَةُ كَوَلِيِّ الْيَتِيمِ ‏(‏وَإِلَّا بِيعَ بَعْضُهُ‏)‏ بِقَدْرِ مَا يُسَاوِي التَّجْفِيفَ ‏(‏لِتَجْفِيفِ الْبَاقِي‏)‏ طَلَبًا لِلْأَحَظِّ، وَخَالَفَ هَذَا الْحَيَوَانُ حَيْثُ بِيعَ جَمِيعُهُ؛ لِأَنَّ نَفَقَتَهُ تَتَكَرَّرُ فَيُؤَدِّي إلَى أَنْ يَأْكُلَ نَفْسَهُ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَوْلُهُ‏:‏ الْوَاجِدُ لَيْسَ بِقَيْدٍ كَمَا تَقَرَّرَ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ مُرَاعَاةَ الْأَغْبَطِ وَاجِبَةٌ، وَكَلَامُ الْأَصْحَابِ مُصَرِّحٌ بِهِ‏.‏ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ لَا يَسْتَقِلُّ بِعَمَلِ الْأَغْبَطِ فِي ظَنِّهِ بَلْ يُرَاجِعُ الْقَاضِيَ، فَإِنْ اسْتَوَى الْأَمْرَانِ بِيعَ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ لِمَا فِي الْبَيْعِ مِنْ قِلَّةِ الْكُلْفَةِ‏.‏

المتن‏:‏

وَمَنْ أَخَذَ لُقَطَةً لِلْحِفْظِ أَبَدًا فَهِيَ أَمَانَةٌ، فَإِنْ دَفَعَهَا إلَى الْقَاضِي لَزِمَهُ الْقَبُولُ وَلَمْ يُوجِبْ الْأَكْثَرُونَ التَّعْرِيفَ، وَالْحَالَةُ هَذِهِ، فَلَوْ قَصَدَ بَعْدَ ذَلِكَ خِيَانَةً لَمْ يَصِرْ ضَامِنًا فِي الْأَصَحِّ، وَإِنْ أَخَذَ بِقَصْدِ الْخِيَانَةِ فَضَامِنٌ، وَلَيْسَ لَهُ بَعْدَهُ أَنْ يُعَرِّفَ وَيَتَمَلَّكَ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَإِنْ أَخَذَ لِيُعَرِّفَ وَيَتَمَلَّكَ فَأَمَانَةٌ مُدَّةَ التَّعْرِيفِ، وَكَذَا بَعْدَهَا مَا لَمْ يَخْتَرْ التَّمَلُّكَ فِي الْأَصَحِّ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَمَنْ أَخَذَ لُقَطَةً لِلْحِفْظِ أَبَدًا‏)‏ وَهُوَ أَهْلٌ لِذَلِكَ ‏(‏فَهِيَ أَمَانَةٌ‏)‏ فِي يَدِهِ، وَكَذَا دَرُّهَا وَنَسْلُهَا؛ لِأَنَّهُ يَحْفَظُهَا لِمَالِكِهَا فَأَشْبَهَ الْمُودَعَ ‏(‏فَإِنْ دَفَعَهَا إلَى الْقَاضِي لَزِمَهُ الْقَبُولُ‏)‏ حِفْظًا لَهَا عَلَى صَاحِبِهَا، وَكَذَا مَنْ أَخَذَ لِلتَّمَلُّكِ، ثُمَّ بَدَا لَهُ، فَإِنْ أَرَادَ دَفْعَهَا إلَى الْحَاكِمِ يَلْزَمْهُ الْقَبُولُ بِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ لَا يَلْزَمُهُ الْقَبُولُ لِقُدْرَةِ الْمُودِعِ عَلَى الرَّدِّ إلَى الْمَالِكِ ‏(‏وَلَمْ يُوجِبْ الْأَكْثَرُونَ‏)‏ مِنْ الْأَصْحَابِ ‏(‏التَّعْرِيفَ وَالْحَالَةُ هَذِهِ‏)‏ وَهِيَ أَخْذُ اللُّقَطَةِ لِلْحِفْظِ أَبَدًا؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ إنَّمَا أَوْجَبَهُ لَمَّا جَعَلَ لَهُ التَّمَلُّكَ بَعْدَهُ، وَرَجَّحَ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمَا وُجُوبَهُ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ، وَقَالَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ‏:‏ إنَّهُ الْأَقْوَى الْمُخْتَارُ، وَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إشَارَةٌ إلَيْهِ بِعَزْوِهِ عَدَمَ التَّعْرِيفِ إلَى الْأَكْثَرِينَ، وَلَمْ يَقُلْ عَلَى الْأَصَحِّ كَعَادَتِهِ‏.‏

وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ الصَّحِيحُ الْوُجُوبُ؛ لِأَنَّ كِتْمَانَهَا يُفَوِّتُهَا عَلَى صَاحِبِهَا‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ مَالِكُهَا يَنْشُدُهَا فَيَعْلَمُ بِهِ آخِذُهَا لِلْحِفْظِ‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّهَا قَدْ تَسْقُطُ مِنْ عَابِرِ سَبِيلٍ وَمِمَّنْ لَا يُمْكِنُهُ ذَلِكَ لِعَارِضِ مَرَضٍ أَوْ جُنُونٍ أَوْ حَبْسٍ أَوْ مَوْتٍ أَوْ غَيْرِهَا، وَإِنْ أَرَادَ التَّخَلُّصَ مِنْ تَعَبِ التَّعْرِيفِ دَفَعَهَا إلَى حَاكِمٍ أَمِينٍ، وَإِذَا عَرَّفَهَا ثُمَّ بَدَا لَهُ قَصْدُ التَّمَلُّكِ عَرَّفَهَا سَنَةً مِنْ يَوْمئِذٍ، وَلَا يُعْتَدُّ بِمَا عَرَّفَهُ قَبْلُ عَلَى الْأَصَحِّ سَوَاءٌ قُلْنَا بِوُجُوبِ التَّعْرِيفِ أَمْ لَا ‏(‏فَلَوْ قَصَدَ بَعْدَ ذَلِكَ‏)‏ الْأَخْذَ الَّذِي لِلْحِفْظِ أَبَدًا، وَكَذَا بَعْدَ الْأَخْذِ لِلتَّمَلُّكِ ‏(‏خِيَانَةً‏)‏ فِيمَا الْتَقَطَهُ ‏(‏لَمْ يَصِرْ‏)‏ بِمُجَرَّدِ قَصْدِ الْخِيَانَةِ ‏(‏ضَامِنًا فِي الْأَصَحِّ‏)‏ حَتَّى يَتَحَقَّقَ ذَلِكَ الْقَصْدُ بِالْفِعْلِ كَالْمُودَعِ‏.‏

وَالثَّانِي‏:‏ يَضْمَنُ، وَخَرَجَ بِقَصْدِ مَا لَوْ فَعَلَ الْخِيَانَةَ، فَإِنَّهُ يَصِيرُ ضَامِنًا جَزْمًا‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

مَتَى صَارَ الْمُلْتَقِطُ ضَامِنًا فِي الدَّوَامِ بِحَقِيقَةِ الْخِيَانَةِ أَوْ بِقَصْدِهَا ثُمَّ أَقْلَعَ وَأَرَادَ أَنْ يُعَرِّفَهَا وَيَتَمَلَّكَ كَانَ لَهُ ذَلِكَ عَلَى الْأَصَحِّ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَبِهِ جَزَمَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَصَدَ الْخِيَانَةَ ابْتِدَاءً كَمَا قَالَ ‏(‏وَإِنْ أَخَذَ بِقَصْدِ الْخِيَانَةِ فَضَامِنٌ‏)‏ عَمَلًا بِقَصْدِهِ الْمُقَارِنِ لِفِعْلِهِ ‏(‏وَلَيْسَ لَهُ بَعْدَهُ‏)‏ أَيْ الْأَخْذِ خِيَانَةً ‏(‏أَنْ يُعَرِّفَ وَيَتَمَلَّكَ‏)‏ بَعْدَ التَّعْرِيفِ ‏(‏عَلَى الْمَذْهَبِ‏)‏ نَظَرًا لِلِابْتِدَاءِ كَالْغَاصِبِ، وَفِي وَجْهٍ مِنْ الطَّرِيقِ الثَّانِي لَهُ ذَلِكَ نَظَرًا لِوُجُودِ صُورَةِ الِالْتِقَاطِ، وَلَوْ سَلَّمَهَا لِلْحَاكِمِ بَرِئَ مِنْ الضَّمَانِ كَمَا هُوَ شَأْنُ الْغَاصِبِ ‏(‏وَإِنْ أَخَذَ لِيُعَرِّفَ وَيَتَمَلَّكَ‏)‏ بَعْدَ التَّعْرِيفِ ‏(‏فَأَمَانَةٌ مُدَّةَ التَّعْرِيفِ‏)‏ كَالْمُودَعِ ‏(‏وَكَذَا بَعْدَهَا مَا لَمْ يَخْتَرْ التَّمَلُّكَ فِي الْأَصَحِّ‏)‏ كَمَا قَبْلَ مُدَّةِ التَّعْرِيفِ، وَالثَّانِي‏:‏ وَبِهِ قَالَ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ‏:‏ تَصِيرُ مَضْمُونَةً عَلَيْهِ إذَا كَانَ غَرِمَ مِنْ التَّمَلُّكِ مُطَّرِدًا كَالْمُسْتَامِ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ الْمُسْتَامَ مَأْخُوذٌ لِحَظِّ آخِذِهِ حِينَ أَخَذَهُ بِخِلَافِ اللُّقَطَةِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

بَقِيَ مِنْ أَحْوَالِ الْمَسْأَلَةِ مَا إذَا أَخَذَ لَا بِقَصْدِ خِيَانَةٍ وَلَا أَمَانَةٍ أَوْ بِقَصْدِ أَحَدِهِمَا وَنَسِيَهُ وَحُكْمُهُمَا أَنْ لَا تَكُونَ مَضْمُونَةً، وَلَهُ التَّمَلُّكُ بِشَرْطِهِ اتِّفَاقًا قَالَهُ الْإِمَامُ وَتَابِعَاهُ‏.‏

المتن‏:‏

وَيَعْرِفُ جِنْسَهَا وَصِفَتَهَا وَقَدْرَهَا وَعِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا ثُمَّ يُعَرِّفُهَا

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَيَعْرِفُ‏)‏ الْمُلْتَقِطُ بِفَتْحِ الْيَاءِ بِخَطِّهِ مِنْ الْمَعْرِفَةِ، وَهِيَ الْعِلْمُ ‏(‏جِنْسَهَا‏)‏ أَيْ اللُّقَطَةِ مِنْ نَقْدٍ أَوْ غَيْرِهِ وَنَوْعَهَا مِنْ كَوْنِهَا أَشْرَفِيَّةً أَوْ بُلُّورِيَّةً ‏(‏وَصِفَتَهَا‏)‏ مِنْ صِحَّةٍ وَتَكَسُّرٍ وَنَحْوِهِمَا ‏(‏وَقَدْرَهَا‏)‏ بِكَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ أَوْ ذَرْعٍ أَوْ عَدٍّ ‏(‏وَعِفَاصَهَا‏)‏ بِكَسْرِ الْعَيْنِ بِخَطِّهِ، وَهُوَ الْوِعَاءُ مِنْ جِلْدٍ وَغَيْرِهِ‏.‏ قَالَ الْخَطَّابِيُّ‏:‏ وَأَصْلُهُ الْجِلْدُ الَّذِي يَلْبِسُ رَأْسَ الْقَارُورَةِ ثُمَّ أُطْلِقَ عَلَى الْوِعَاءِ تَوَسُّعًا ‏(‏وَوِكَاءَهَا‏)‏ بِكَسْرِ الْوَاوِ وَالْمَدِّ بِخَطِّهِ، وَهُوَ مَا يُرْبَطُ بِهِ مِنْ خَيْطٍ أَوْ غَيْرِهِ لِخَبَرِ زَيْدٍ السَّابِقِ، وَقِيسَ بِمَا فِيهِ غَيْرُهُ وَلْيَعْرِفَ صِدْقَ وَاصِفِهَا، وَهَذِهِ الْمَعْرِفَةُ تَكُونُ عَقِبَ الْأَخْذِ كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ، وَهِيَ سَنَةٌ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْجُمْهُورِ، وَفِي الْكَافِي أَنَّهَا وَاجِبَةٌ وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ، وَيَنْدُبُ كَتْبُ الْأَوْصَافِ‏.‏ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ‏:‏ وَأَنَّهُ الْتَقَطَهَا فِي وَقْتِ كَذَا ‏(‏ثُمَّ يُعَرِّفُهَا‏)‏ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ ثَالِثِهِ الْمُشَدَّدِ مِنْ التَّعْرِيفِ، وَهَذَا وَاجِبٌ إنْ قَصَدَ التَّمَلُّكَ قَطْعًا، وَإِلَّا فَعَلَى مَا سَبَقَ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ التَّعْرِيفِ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي نُكَتِهِ تَبَعًا لِلْجِيلِيِّ مَا لَوْ كَانَ السُّلْطَانُ ظَالِمًا بِحَيْثُ يَعْلَمُ أَوْ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ إذَا عَرَّفَهَا أَخَذَهَا، فَلَا يَجُوزُ التَّعْرِيفُ حِينَئِذٍ، بَلْ تَكُونُ أَمَانَةً فِي يَدِهِ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يَتَمَلَّكُ بَعْدَ السَّنَةِ، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْغَزَالِيُّ فِي فَتَاوِيهِ، وَإِنْ كَانَ مُقْتَضَى كَلَامِ ابْنِ الصَّبَّاغِ أَنَّهُ يَتَمَلَّكُ بَعْدَهَا‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

أَفْهَمَ قَوْلُهُ‏:‏ ثُمَّ يُعَرِّفُهَا أَمْرَيْنِ‏:‏ أَحَدُهُمَا‏:‏ أَنَّ الْمُبَادَرَةَ بِالتَّعْرِيفِ عَقِبَ الِالْتِقَاطِ لَا تَجِبُ، وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْأَصَحِّ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ‏.‏

وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ‏:‏ مَحَلُّ جَوَازِ التَّأْخِيرِ مَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّ الْمُلْتَقِطِ أَنَّهُ يُفَوِّتُ مَعْرِفَةَ الْمَالِكِ بِالتَّأْخِيرِ، فَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ ذَلِكَ وَجَبَ الْبِدَارُ وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُ ا هـ‏.‏

وَهَذَا ظَاهِرٌ، وَإِذَا لَمْ يُوجِبْ الْمُبَادَرَةَ يَنْبَغِي كَمَا قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ‏:‏ أَنْ يُؤَرِّخَ وُجْدَانَ اللُّقَطَةِ فِي تَعْرِيفِهِ، وَيُسْنِدُهُ إلَى وَقْتِهِ حَتَّى يَكُونَ ذَلِكَ فِي مُعَاوَضَةِ مَا جَرَى مِنْ التَّأْخِيرِ الْمَنْسِيِّ‏.‏ الثَّانِي‏:‏ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ تَعْرِيفُهَا بِنَفْسِهِ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ لَهُ ذَلِكَ بِمَأْذُونِهِ أَيْضًا وَلَكِنْ لَا يُسَلِّمُهَا لَهُ، وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمُعَرِّفِ عَاقِلًا غَيْرَ مَشْهُورٍ بِالْخَلَاعَةِ وَالْمُجُونِ، وَهُوَ أَنْ لَا يُبَالِيَ الْإِنْسَانُ بِمَا صَنَعَ قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ‏.‏ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ‏:‏ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَالَةُ إذَا حَصَلَ الْوُثُوقُ بِقَوْلِهِ‏.‏

المتن‏:‏

فِي الْأَسْوَاقِ وَأَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ وَنَحْوِهَا سَنَةً عَلَى الْعَادَةِ يُعَرِّفُ أَوَّلًا كُلَّ يَوْمٍ طَرَفَيْ النَّهَارِ ثُمَّ كُلَّ يَوْمٍ مَرَّةً ثُمَّ كُلَّ أُسْبُوعٍ ثُمَّ كُلَّ شَهْرٍ، وَلَا تَكْفِي سَنَةٌ مُتَفَرِّقَةٌ فِي الْأَصَحِّ‏.‏ قُلْتُ‏:‏ الْأَصَحُّ تَكْفِي، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

ثُمَّ أَشَارَ إلَى مَكَانِ التَّعْرِيفِ بِقَوْلِهِ ‏(‏فِي الْأَسْوَاقِ‏)‏ عِنْدَ قِيَامِهَا فِي بَلَدِ الِالْتِقَاطِ ‏(‏وَ‏)‏ فِي ‏(‏أَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ‏)‏ عِنْدَ خُرُوجِ النَّاسِ ‏(‏وَنَحْوِهَا‏)‏ مِنْ الْمَجَامِعِ وَالْمَحَافِلِ وَمَحَالِّ الرِّحَالِ وَمُنَاخِ الْأَسْفَارِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَقْرَبُ إلَى وُجُودِ صَاحِبِهَا‏.‏ وَيَجِبُ التَّعْرِيفُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي وَجَدَهَا فِيهِ وَلِيُكْثِرَ مِنْهُ فِيهِ، لِأَنَّ طَلَبَ الشَّيْءِ فِي مَكَانِهِ أَكْثَرُ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ أَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ الْمَسَاجِدُ فَيُكْرَهُ التَّعْرِيفُ فِيهَا كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ وَإِنْ أَفْهَمَ كَلَامُ الرَّوْضَةِ التَّحْرِيمَ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، فَلَا يُكْرَهُ التَّعْرِيفُ فِيهِ اعْتِبَارًا بِالْعُرْفِ؛ وَلِأَنَّهُ مَجْمَعُ النَّاسِ، وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ وَالْأَقْصَى كَذَلِكَ، وَلَوْ أَرَادَ سَفَرًا اسْتَنَابَ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ مَنْ يَحْفَظُهَا وَيُعَرِّفُهَا، فَإِنْ سَافَرَ بِهَا أَوْ اسْتَنَابَ بِغَيْرِ إذْنِ الْحَاكِمِ مَعَ وُجُودِهِ ضَمِنَ لِتَقْصِيرِهِ، وَإِنْ الْتَقَطَ فِي الصَّحْرَاءِ وَهُنَاكَ قَافِلَةٌ تَبِعَهَا وَعَرَّفَ فِيهَا إذْ لَا فَائِدَةَ فِي التَّعْرِيفِ فِي الْأَمَاكِنِ الْخَالِيَةِ، فَإِنْ لَمْ يُرِدْ ذَلِكَ، فَفِي بَلْدَةٍ يَقْصِدُهَا قَرُبَتْ أَوْ بَعُدَتْ سَوَاءٌ أَقَصَدَهَا ابْتِدَاءً أَمْ لَا حَتَّى لَوْ قَصَدَ بَعْدَ قَصْدِهِ الْأَوَّلِ بَلْدَةً أُخْرَى، وَلَوْ بَلْدَتَهُ الَّتِي سَافَرَ مِنْهَا عَرَّفَ فِيهَا، وَلَا يُكَلَّفُ الْعُدُولَ عَنْهَا إلَى أَقْرَبِ الْبِلَادِ إلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ، وَقَوْلُهُ ‏(‏سَنَةً‏)‏ أَيْ مِنْ يَوْمِ التَّعْرِيفِ بَيَانٌ لِمُدَّةِ التَّعْرِيفِ لِخَبَرِ زَيْدٍ الْمَارِّ، وَقِيسَ بِمَا فِيهِ غَيْرُهُ، وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ أَنَّ السَّنَةَ لَا يَتَأَخَّرُ فِيهَا الْقَوَافِلُ غَالِبًا، وَتَمْضِي فِيهَا الْفُصُولُ الْأَرْبَعَةُ‏.‏ قَالَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ‏:‏ وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُعَرِّفْ سَنَةً لَضَاعَتْ الْأَمْوَالُ عَلَى أَرْبَابِهَا، وَلَوْ جَعَلَ التَّعْرِيفَ أَبَدًا لَامْتَنَعَ مِنْ الِالْتِقَاطِ، فَكَأَنَّ فِي السَّنَةِ نَظَرًا لِلْفَرِيقَيْنِ مَعًا، وَشَرَطَ ذَلِكَ فِي الْأَمْوَالِ الْكَثِيرَةِ‏.‏

وَأَمَّا الْقَلِيلَةُ، فَسَتَأْتِي وَلَوْ الْتَقَطَ اثْنَانِ لُقَطَةً عَرَّفَهَا كُلُّ وَاحِدٍ نِصْفَ سَنَةٍ كَمَا قَالَ السُّبْكِيُّ إنَّهُ الْأَشْبَهُ، وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ ابْنُ الرِّفْعَةِ؛ لِأَنَّهَا لُقَطَةٌ وَاحِدَةٌ، وَالتَّعْرِيفُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا لِكُلِّهَا لَا لِنِصْفِهَا؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تُقْسَمُ بَيْنَهُمَا عِنْدَ التَّمَلُّكِ‏.‏ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ‏:‏ وَيُسْتَثْنَى مِنْ إيجَابِ السَّنَةِ لُقَطَةُ دَارِ الْحَرْبِ، وَقَضِيَّةُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ الِاكْتِفَاءُ بِتَعْرِيفِهَا هُنَاكَ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يُعَرِّفُهَا رُدَّتْ إلَى الْمَغْنَمِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَدْ يُتَصَوَّرُ التَّعْرِيفُ سَنَتَيْنِ، وَذَلِكَ إذَا قَصَدَ الْحِفْظَ فَعَرَّفَهَا سَنَةً ثُمَّ قَصَدَ التَّمَلُّكَ، فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَعْرِيفِهِ سَنَةً مِنْ حِينَئِذٍ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ، وَلَا يَجِبُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ السَّنَةَ بِالتَّعْرِيفِ كُلَّ يَوْمٍ، بَلْ ‏(‏عَلَى الْعَادَةِ‏)‏ زَمَانًا وَمَكَانًا وَقَدْرًا ‏(‏يُعَرِّفُ أَوَّلًا‏)‏ أَيْ أَوَّلَ سَنَةِ التَّعْرِيفِ ‏(‏كُلَّ يَوْمٍ‏)‏ مَرَّتَيْنِ ‏(‏طَرَفَيْ النَّهَارِ‏)‏ لَا لَيْلًا وَلَا وَقْتَ الْقَيْلُولَةِ ‏(‏ثُمَّ‏)‏ يُعَرِّفُ ‏(‏كُلَّ يَوْمٍ مَرَّةً ثُمَّ كُلَّ أُسْبُوعٍ‏)‏ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ ‏(‏ثُمَّ كُلَّ شَهْرٍ‏)‏ مَرَّةً تَقْرِيبًا فِي الْجَمِيعِ، بِحَيْثُ لَا يَنْسَى أَنَّ الْأَخِيرَ تَكْرِيرُ الْأَوَّلِ كَمَا فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ، وَإِنَّمَا جَعَلَ التَّعْرِيفَ فِي الْأَزْمِنَةِ الْأُوَلِ أَكْثَرَ؛ لِأَنَّ تَطَلُّبَ الْمَالِكِ فِيهَا أَكْثَرُ، وَسَكَتَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا عَنْ بَيَانِ الْمُدَّةِ فِي ذَلِكَ، وَفِي الْمُهَذَّبِ ذَكَرَ الْأُسْبُوعَ فِي الْمُدَّةِ الْأُولَى‏.‏ قَالَ الشَّارِحُ‏:‏ وَيُقَاسُ بِهَا الثَّانِيَةُ‏.‏ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ‏:‏ قِيلَ وَمُرَادُهُمْ أَنَّهُ يُعَرِّفُ كُلَّ يَوْمٍ مِنْ هَذِهِ الْمُدَّةِ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ، وَلَوْ مَاتَ الْمُلْتَقِطُ فِي أَثْنَاءِ السَّنَةِ بَنَى وَارِثُهُ عَلَى ذَلِكَ كَمَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ ‏(‏وَلَا تَكْفِي‏)‏ فِي التَّعْرِيفِ ‏(‏سَنَةٌ مُتَفَرِّقَةٌ فِي الْأَصَحِّ‏)‏ فِي الْمُحَرَّرِ، وَعِبَارَتُهُ وَالْأَحْسَنُ؛ لِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ السَّنَةِ فِي الْخَبَرِ التَّوَالِي كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ زَيْدًا سَنَةً، وَعَلَى هَذَا إذَا قَطَعَ التَّعْرِيفَ مُدَّةً اسْتَأْنَفَ وَلَا يَبْنِي ‏(‏قُلْتُ‏:‏ الْأَصَحُّ تَكْفِي‏)‏ السَّنَةُ الْمُفَرَّقَةُ فِي التَّعْرِيفِ ‏(‏وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏)‏ لِإِطْلَاقِ الْخَبَرِ، وَكَمَا لَوْ نَذَرَ صَوْمَ سَنَةٍ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ تَفْرِيقُهَا، وَعَلَى هَذَا لَا بُدَّ أَنْ يُبَيِّنَ فِي التَّعْرِيفِ زَمَانَ الْوِجْدَانِ حَتَّى يَكُونَ ذَلِكَ فِي مُقَابَلَةِ مَا جَرَى مِنْ التَّأْخِيرِ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَتَسَاهَلَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فَجَعَلَ التَّأْرِيخَ مُسْتَحَبًّا، وَيَقُولُ فِي تَعْرِيفِهَا كَمَا فِي التَّنْبِيهِ‏:‏ مَنْ ضَاعَ لَهُ شَيْءٌ‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ ‏[‏في تعريف اللقطة‏]‏

المتن‏:‏

وَيَذْكُرُ بَعْضَ أَوْصَافِهَا‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

فَصْلٌ‏:‏ وَيَذْكُرُ نَدْبًا ‏(‏بَعْضَ أَوْصَافِهَا‏)‏ كَمَا يَذْكُرُ جِنْسَهَا، فَيَقُولُ‏:‏ مَنْ ضَاعَ لَهُ دَنَانِيرُ أَوْ عِفَاصُهَا أَوْ وِكَاؤُهَا؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الظَّفْرِ بِالْمَالِكِ، وَلَا يَسْتَوْفِيهَا لِئَلَّا يَعْتَمِدَهَا كَاذِبٌ، فَإِنْ اسْتَوْفَاهَا حَرُمَ عَلَيْهِ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْأَذْرَعِيُّ وَضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَرْفَعُهُ إلَى مَنْ يَلْزَمُهُ الدَّفْعُ بِالصِّفَاتِ، وَيُفَارِقُ هَذَا مَا مَرَّ أَوَّلَ الْبَابِ مِنْ أَنَّهُ يَجُوزُ اسْتِيفَاؤُهَا فِي الْإِشْهَادِ لِحَصْرِ الشُّهُودِ وَعَدَمِ التُّهْمَةِ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَا يَلْزَمُهُ مُؤْنَةُ التَّعْرِيفِ إنْ أَخَذَ لِحِفْظٍ، بَلْ يُرَتِّبُهَا الْقَاضِي مِنْ بَيْتِ الْمَالِ أَوْ يَقْتَرِضُ عَلَى الْمَالِكِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَا يَلْزَمُهُ مُؤْنَةُ التَّعْرِيفِ إنْ أَخَذَ‏)‏ اللُّقَطَةَ ‏(‏لِحِفْظٍ‏)‏ لَهَا عَلَى مَالِكِهَا بِنَاءً عَلَى وُجُوبِ التَّعْرِيفِ السَّابِقِ، إذْ الْحَظُّ لِمَالِكِهَا فَقَطْ ‏(‏بَلْ يُرَتِّبُهَا الْقَاضِي مِنْ بَيْتِ الْمَالِ‏)‏‏.‏ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ‏:‏ قَرْضًا‏.‏

وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ الْأَقْرَبُ إنَّهُ إنْفَاقٌ، وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ ‏(‏أَوْ يَقْتَرِضُ عَلَى الْمَالِكِ‏)‏ وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْأَصْحَابِ‏.‏ أَمَّا إذَا قُلْنَا‏:‏ لَا يَجِبُ التَّعْرِيفُ، فَالْمُلْتَقِطُ مُتَبَرِّعٌ إنْ عَرَّفَ، وَلِلْقَاضِي أَنْ يَأْمُرَ الْمُلْتَقِطَ بِصَرْفِ الْمُؤْنَةِ مِنْ مَالِهِ لِيَرْجِعَ عَلَى الْمَالِكِ أَوْ يَبِيعَ بَعْضَهَا إنْ رَآهُ كَمَا لَوْ هَرَبَ الْجَمَّالُ‏.‏

المتن‏:‏

وَإِنْ أَخَذَ لِتَمَلُّكٍ لَزِمَتْهُ، وَقِيلَ إنْ لَمْ يَتَمَلَّكْ فَعَلَى الْمَالِكِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَإِنْ أَخَذَ‏)‏ اللُّقَطَةَ ‏(‏لِتَمَلُّكٍ‏)‏ وَجَبَ عَلَيْهِ تَعْرِيفُهَا جَزْمًا كَمَا مَرَّ، وَ ‏(‏لَزِمَتْهُ‏)‏ مُؤْنَةُ التَّعْرِيفِ، سَوَاءٌ أَتَمَلَّكَهَا أَمْ لَا؛ لِأَنَّ الْحَظَّ لَهُ ‏(‏وَقِيلَ‏:‏ إنْ لَمْ يَتَمَلَّكْ‏)‏ أَيْ اللُّقَطَةَ كَأَنْ ظَهَرَ مَالِكُهَا ‏(‏فَعَلَى الْمَالِكِ‏)‏ لِعَوْدِ الْفَائِدَةِ إلَيْهِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ‏:‏ أَنَّهُ إذَا تَمَلَّك ثُمَّ ظَهَرَ الْمَالِكُ، وَرَجَعَ فِيهَا لَمْ يَجِئْ هَذَا الْوَجْهُ، وَتَعْبِيرُ الرَّوْضَةِ وَالشَّرْحَيْنِ بِظُهُورِ الْمَالِكِ يَشْمَلُ ظُهُورَهُ بَعْدَ التَّمَلُّكِ‏.‏ قَالَ السُّبْكِيُّ‏:‏ وَهُوَ أَحْسَنُ فَإِنَّهُ مَتَى ظَهَرَ قَبْلَ التَّمَلُّكِ أَوْ بَعْدَهُ رَجَعَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ‏.‏ قَالَ‏:‏ فَلَوْ قَالَ الْمِنْهَاجُ وَقِيلَ إنْ ظَهَرَ الْمَالِكُ فَعَلَيْهِ لَكَانَ أَلْخَصَ ا هـ‏.‏

وَكَالتَّمَلُّكِ قَصْدُ الِاخْتِصَاصِ، وَقَصْدُ الِالْتِقَاطِ لِلْخِيَانَةِ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُوَ فِي مُطْلَقِ التَّصَرُّفِ‏.‏ أَمَّا لَوْ الْتَقَطَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ أَوْ صِبًى أَوْ جُنُونٍ، فَلَيْسَ لِوَلِيِّهِ إخْرَاجُ مُؤْنَةِ التَّعْرِيفِ مِنْ مَالِهِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ، بَلْ يَرْفَعُ الْأَمْرَ إلَى الْحَاكِمِ، فَيَبِيعُ جُزْءًا مِنْ اللُّقَطَةِ لِمُؤْنَةِ التَّعْرِيفِ، وَإِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ فِي النَّفْسِ مِنْهُ شَيْءٌ‏.‏

المتن‏:‏

وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْحَقِيرَ لَا يُعَرَّفُ سَنَةً بَلْ زَمَنًا يُظَنُّ أَنَّ فَاقِدَهُ يُعْرِضُ عَنْهُ غَالِبًا‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْحَقِيرَ‏)‏ أَيْ الْقَلِيلَ الْمُتَمَوَّلَ، وَلَا يُقَدَّرُ بِشَيْءٍ فِي الْأَصَحِّ، بَلْ هُوَ مَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ فَاقِدَهُ لَا يُكْثِرُ أَسَفَهُ عَلَيْهِ، وَلَا يَطُولُ طَلَبُهُ لَهُ غَالِبًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى حَقَارَتِهِ وَقُدِّرَ بِالدِّينَارِ وَقُدِّرَ بِالدِّرْهَمِ كَمَا فِي التَّنْبِيهِ لِقَوْلِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا ‏"‏ لَا بَأْسَ بِمَا دُونَ الدِّرْهَمِ أَنْ يُسْتَنْفَعَ بِهِ ‏"‏ وَقُدِّرَ بِمَا لَا تُقْطَعُ فِيهِ يَدُ السَّارِقِ ‏(‏لَا يُعَرَّفُ سَنَةً‏)‏؛ لِأَنَّ فَاقِدَهُ لَا يَدُومُ عَلَى طَلَبِهِ سَنَةً بِخِلَافِ الْخَطِيرِ‏.‏

وَالثَّانِي‏:‏ يُعَرَّفُ سَنَةً لِعُمُومِ الْأَخْبَارِ؛ وَلِأَنَّهَا جِهَةٌ مِنْ جِهَاتِ التَّمَلُّكِ، فَاسْتَوَى فِيهَا الْقَلِيلُ وَالْكَثِيرُ‏.‏ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ وَقَوْلُ الْجُمْهُورِ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَيُشْكِلُ عَلَى تَرْجِيحِ الرَّافِعِيِّ الْفَرْقُ بَيْنَ الْحَقِيرِ وَغَيْرِهِ قَوْلُهُ‏:‏ إنَّ الْأَكْثَرَ قَالُوا‏:‏ إنَّ مَا لَيْسَ بِمَالٍ كَالْكَلْبِ الَّذِي فِيهِ مَنْفَعَةٌ يُقْتَنَى لَهَا يُعَرَّفُ سَنَةً ثُمَّ يَخْتَصُّ بِهِ ا هـ‏.‏

وَهَذَا لَيْسَ بِمُشْكِلٍ؛ لِأَنَّ الْكَلْبَ وَنَحْوَهُ مِنْ الِاخْتِصَاصَاتِ يَكْثُرُ عَلَيْهِ الْأَسَفُ، فَإِنْ فُرِضَ قِلَّتُهُ عَلَيْهِ، فَهُوَ دَاخِلٌ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ ‏(‏بَلْ‏)‏ الْأَصَحُّ يُعَرِّفُهُ ‏(‏زَمَنًا يُظَنُّ أَنَّ فَاقِدَهُ يُعْرِضُ عَنْهُ غَالِبًا‏)‏ وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ الْمَالِ وَأَمَّا غَيْرُهُ فَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ‏.‏ قَالَ الرُّويَانِيُّ‏:‏ فَدَانِقُ الْفِضَّةِ يُعَرَّفُ فِي الْحَالِ، وَدَانِقُ الذَّهَبِ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ وَالشَّرْحَيْنِ مُدَّةً يُظَنُّ فِي مِثْلِهَا طَلَبُ فَاقِدِهَا، فَإِذَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ إعْرَاضُهُ سَقَطَ، وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ ظَاهِرَةٌ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ كَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ‏:‏ لَا يُعْرِضُ أَوْ يَقُولَ إلَى زَمَنٍ‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ لَا تُقَدَّرُ فِي الْكَلَامِ الْفَصِيحِ كَمَا قُدِّرَتْ فِي قَوْله تَعَالَى ‏{‏وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ‏}‏ كَمَا عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ، وَبِأَنَّ زَمَنًا مَنْصُوبٌ عَطْفًا عَلَى سَنَةٍ‏:‏ أَيْ لَا يُعَرِّفُهَا إلَى سَنَةٍ بَلْ إلَى زَمَنٍ إلَخْ؛ لِأَنَّ بَلْ لَا تَعْطِفُ الْجُمَلَ، بَلْ هِيَ مَعَهَا حَرْفُ ابْتِدَاءٍ، وَقَدْ مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَى ذَلِكَ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ‏:‏ بَلْ يُخْلَطَانِ، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ يَكْفِي مَرَّةً؛ لِأَنَّهُ يَخْرُجُ بِهَا عَنْ حَدِّ الْكِتْمَانِ، وَقِيلَ‏:‏ لَا يَجِبُ تَعْرِيفُ الْقَلِيلِ أَصْلًا‏.‏ أَمَّا مَا لَا يُتَمَوَّلُ‏:‏ كَحَبَّةِ بُرٍّ وَزَبِيبَةٍ لَمْ يَجِبْ تَعْرِيفُهُ، وَيَسْتَبِدُّ بِهِ وَاجِدُهُ، فَقَدْ قِيلَ‏:‏ إنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ سَمِعَ رَجُلًا يَنْشُدُ فِي الطَّوَافِ زَبِيبَةً، فَقَالَ‏:‏ إنَّ مِنْ الْوَرَعِ مَا يَمْقُتُهُ اللَّهُ ‏{‏، وَمَرَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّةً بِتَمْرَةٍ فِي الطَّرِيقِ فَقَالَ‏:‏ لَوْلَا أَخْشَى أَنْ تَكُونَ مِنْ الصَّدَقَةِ لَأَكَلْتُهَا‏}‏ وَلَكِنْ هَلْ يَزُولُ مِلْكُ صَاحِبِهِ عَنْهُ إذَا وَقَعَ‏؟‏ فِيهِ وَجْهَانِ فِي الْوَافِي، وَالْأَصَحُّ أَنَّ مِلْكَهُ لَا يَزُولُ بِذَلِكَ بِدَلِيلِ مَا قَالُوهُ فِيمَا لَوْ حَمَلَ السَّيْلُ حَبَّةً أَوْ نَوَاةً إلَى أَرْضِ غَيْرِهِ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ قَلْعُهَا وَإِنْ أَعْرَضَ عَنْهَا، فَهِيَ لِمَالِكِ الْأَرْضِ، فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يَزُولُ مِلْكُهُ إلَّا بِالْإِعْرَاضِ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ إذَا لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ إلَّا بِالْإِعْرَاضِ، فَكَيْفَ يَسْتَبِدُّ بِهِ وَاجِدُهُ‏؟‏‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا مِنْ الْمُبَاحِ الْمُسْتَفَادِ بِالْعَادَةِ كَالشُّرْبِ مِنْ الْأَنْهَارِ‏.‏

وَأَمَّا الْتِقَاطُ السَّنَابِلِ وَنَحْوِهَا فِي وَقْتِ الْحَصَادِ، فَيَجُوزُ إذَا ظَنَّ إعْرَاضَ الْمَالِكِ عَنْهَا أَوْ ظَنَّ رِضَاهُ بِأَخْذِهَا، وَإِلَّا فَلَا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْآخِذُ مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ أَمْ لَا وَإِنْ خَالَفَ فِي الثَّانِي الزَّرْكَشِيُّ؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَدْرَ يُغْتَفَرُ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ السَّلَفُ وَالْخَلَفُ، وَلَوْ الْتَقَطَ كَلْبًا يُقْتَنَى أَوْ خَمْرًا مُحْتَرَمَةً أَوْ زِبْلًا كَثِيرًا عَرَّفَهُ سَنَةً أَوْ مَا يَلِيقُ بِهِ، ثُمَّ اخْتَصَّ بِهِ، فَإِنْ ظَهَرَ صَاحِبُهُ وَكَانَ بَاقِيًا أَخَذَهُ، وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَهُ‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ ‏[‏فِيمَا تُمْلَكُ بِهِ اللُّقَطَةُ‏]‏

المتن‏:‏

إذَا عَرَّفَ سَنَةً لَمْ يَمْلِكْهَا حَتَّى يَخْتَارَهُ بِلَفْظٍ كَتَمَلَّكْت، وَقِيلَ تَكْفِي النِّيَّةُ، وَقِيلَ يَمْلِكُ بِمُضِيِّ السَّنَةِ

الشَّرْحُ‏:‏

فَصْلٌ فِيمَا تُمْلَكُ بِهِ اللُّقَطَةُ ‏(‏إذَا عَرَّفَ‏)‏ مُلْتَقِطُهَا لِلتَّمَلُّكِ ‏(‏سَنَةً‏)‏ عَلَى الْعَادَةِ أَوْ دُونَهَا عَلَى مَا مَرَّ جَازَ لَهُ التَّمَلُّكُ، وَ ‏(‏لَمْ يَمْلِكْهَا‏)‏ بِذَلِكَ ‏(‏حَتَّى يَخْتَارَهُ‏)‏ أَيْ التَّمَلُّكَ ‏(‏بِلَفْظٍ‏)‏ مِنْ نَاطِقٍ يَدُلُّ عَلَى التَّمَلُّكِ ‏(‏كَتَمَلَّكْت‏)‏ مَا الْتَقَطْتُهُ؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكُ مَالٍ بِبَدَلٍ فَافْتَقَرَ إلَى ذَلِكَ كَالشَّفِيعِ وَيَمْلِكُهُ بِذَلِكَ، وَلَوْ لَمْ يَتَصَرَّفْ فِيهِ كَالْقَرْضِ، وَهَذَا فِيمَا يُمَلَّكُ‏.‏

وَأَمَّا غَيْرُهُ كَالْكَلْبِ وَالْخَمْرِ، فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ اخْتِيَارِ نَقْلِ الِاخْتِصَاصِ الَّذِي كَانَ لِغَيْرِهِ لِنَفْسِهِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ‏.‏ أَمَّا الْأَخْرَسُ فَتَكْفِي إشَارَتُهُ الْمُفْهِمَةُ كَسَائِرِ عُقُودِهِ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَكَذَا الْكِنَايَةُ مَعَ النِّيَّةِ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَنَّ وَلَدَ اللُّقَطَةِ كَاللُّقَطَةِ إنْ كَانَتْ حَامِلًا عِنْدَ الْتِقَاطِهَا، وَانْفَصَلَ مِنْهَا قَبْلَ تَمَلُّكِهَا، وَإِلَّا مَلَكَهُ تَبَعًا لِأُمِّهِ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُ مَنْ قَالَ‏:‏ إنَّهُ يُمْلَكُ بَعْدَ التَّعْرِيفِ لِأُمِّهِ‏:‏ أَيْ وَتَمَلُّكِهَا ‏(‏وَقِيلَ‏:‏ تَكْفِي‏)‏ بَعْدَ التَّعْرِيفِ ‏(‏النِّيَّةُ‏)‏ أَيْ تَجْدِيدُ قَصْدِ التَّمَلُّكِ مِنْ غَيْرِ لَفْظٍ لِفَقْدِ الْإِيجَابِ ‏(‏وَقِيلَ‏)‏ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ ‏(‏يَمْلِكُ‏)‏ اللُّقَطَةَ ‏(‏بِمُضِيِّ السَّنَةِ‏)‏ بَعْدَ التَّعْرِيفِ اكْتِفَاءً بِقَصْدِهِ عِنْدَ الْأَخْذِ لِلتَّمَلُّكِ بَعْدَ التَّعْرِيفِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

لَا فَرْقَ عِنْدَنَا فِي جَوَازِ تَمَلُّكِ اللُّقَطَةِ بَيْنَ الْهَاشِمِيِّ وَغَيْرِهِ، وَلَا بَيْنَ الْفَقِيرِ وَغَيْرِهِ‏.‏

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ‏:‏ لَا يَجُوزُ تَمَلُّكُهَا لِمَنْ لَا تَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَةُ‏.‏

وَقَالَ مَالِكٌ‏:‏ لَا يَجُوزُ تَمَلُّكُهَا لِلْفَقِيرِ خَشْيَةَ ضَيَاعِهَا عِنْدَ طَلَبِهَا، وَيُسْتَثْنَى مِنْ التَّمَلُّكِ مَسَائِلُ لَا يَتَأَتَّى فِيهَا التَّمَلُّكُ‏.‏ مِنْهَا الْجَارِيَةُ الَّتِي تَحِلُّ لِلْمُلْتَقِطِ، فَإِنَّهُ لَا يَتَمَلَّكُهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْتِقَاطُهَا لِلتَّمَلُّكِ كَمَا مَرَّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ اسْتِقْرَاضُهَا عَلَى الرَّاجِحِ، فَعَلَى هَذَا تُلْتَقَطُ لِلْحِفْظِ فَقَطْ، وَفِي تَعْرِيفِهَا الْخِلَافُ السَّابِقُ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ يَنْبَغِي أَنْ تُعَرَّفَ، وَبَعْدَ الْحَوْلِ تُبَاعُ وَيَتَمَلَّكُ ثَمَنَهَا كَمَا لَوْ الْتَقَطَ مَا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ، فَإِنَّهُ يَبِيعُهُ وَيَتَمَلَّكُ ثَمَنَهُ بَعْدَ الْمُدَّةِ‏.‏‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَتْبَعُ فِي ذَلِكَ مَصْلَحَةَ الْمَالِكِ، وَقَدْ لَا يَكُونُ لَهُ مَصْلَحَةٌ فِي بَيْعِ الْأَمَةِ‏.‏ وَمِنْهَا مَا لَوْ دَفَعَهَا إلَى الْحَاكِمِ وَتَرَكَ التَّعْرِيفَ وَالتَّمَلُّكَ ثُمَّ نَدِمَ، وَأَرَادَ أَنْ يُعَرِّفَ وَيَتَمَلَّكَ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ؛ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ حَقَّهُ قَالَهُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ‏.‏ وَمِنْهَا مَا لَوْ أُخِذَ لِلْخِيَانَةِ كَمَا مَرَّ‏.‏ وَمِنْهَا لُقَطَةُ الْحَرَمِ كَمَا سَيَأْتِي‏.‏

المتن‏:‏

فَإِنْ تَمَلَّكَ فَظَهَرَ الْمَالِكُ وَاتَّفَقَا عَلَى رَدِّ عَيْنِهَا فَذَاكَ، وَإِنْ أَرَادَهَا الْمَالِكُ وَأَرَادَ الْمُلْتَقِطُ الْعُدُولَ إلَى بَدَلِهَا أُجِيبَ الْمَالِكُ فِي الْأَصَحِّ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏فَإِنْ تَمَلَّكَ‏)‏ الْمُلْتَقِطُ اللُّقَطَةَ ‏(‏فَظَهَرَ الْمَالِكُ‏)‏ لَهَا، وَهِيَ بَاقِيَةٌ بِحَالِهَا، وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا حَقٌّ لَازِمٌ يَمْنَعُ بَيْعَهَا كَمَا فِي الْقَرْضِ ‏(‏وَاتَّفَقَا عَلَى رَدِّ عَيْنِهَا‏)‏ أَوْ بَدَلَهَا ‏(‏فَذَاكَ‏)‏ ظَاهِرٌ، إذْ الْحَقُّ لَا يَعْدُوهُمَا‏.‏ وَيَجِبُ عَلَى الْمُلْتَقِطِ رَدُّهَا إلَى مَالِكِهَا إذَا عَلِمَهُ، وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا حَقٌّ لَازِمٌ قَبْلَ طَلَبِهِ فِي الْأَصَحِّ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الْوَدِيعَةِ، وَمُؤْنَةُ الرَّدِّ عَلَى الْمُلْتَقِطِ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَ الْعَيْنَ لِغَرَضِ نَفْسِهِ‏.‏ أَمَّا إذَا حَصَلَ الرَّدُّ قَبْلَ تَمَلُّكِهَا فَمُؤْنَةُ الرَّدِّ عَلَى مَالِكِهَا كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ ‏(‏وَإِنْ أَرَادَهَا الْمَالِكُ وَأَرَادَ الْمُلْتَقِطُ الْعُدُولَ إلَى بَدَلِهَا‏.‏ أُجِيبَ الْمَالِكُ فِي الْأَصَحِّ‏)‏ كَالْقَرْضِ بَلْ أَوْلَى، وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ ‏{‏فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا يَوْمًا مِنْ الدَّهْرِ فَأَدِّهَا إلَيْهِ‏}‏‏.‏

وَالثَّانِي‏:‏ يُجَابُ الْمُلْتَقِطُ، لِأَنَّهُ مَلَكَهَا كَمَا قِيلَ بِهِ فِي الْقَرْضِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

لَوْ جَاءَ الْمَالِكُ، وَقَدْ بِيعَتْ اللُّقَطَةُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ أَوْ كَانَ خِيَارُ الْمَجْلِسِ بَاقِيًا كَانَ لَهُ الْفَسْخُ، وَأَخَذَهَا إنْ لَمْ يَكُنْ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي فَقَطْ كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي لِاسْتِحْقَاقِهِ الرُّجُوعَ لَعَيْنِ مَالِهِ مَعَ بَقَائِهِ‏.‏ أَمَّا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي فَقَطْ فَلَا رُجُوعَ لَهُ كَالْبَائِعِ، وَكَذَا لَوْ تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ رَهْنٍ أَوْ كِتَابَةٍ، وَإِذَا رَدَّهَا الْمُلْتَقِطُ سَلِيمَةً أَوْ مَعِيبَةً مَعَ الْأَرْشِ لَزِمَ الْمَالِكَ الْقَبُولُ، وَيَتَعَيَّنُ رَدُّهَا بِالزَّوَائِدِ الْمُتَّصِلَةِ، وَإِنْ حَدَثَتْ بَعْدَ التَّمَلُّكِ تَبَعًا لِلْأَصْلِ، بَلْ لَوْ حَدَثَتْ قَبْلَهُ ثُمَّ انْفَصَلَتْ رَدَّهَا كَنَظِيرِهِ مِنْ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَغَيْرِهِ، فَلَوْ الْتَقَطَ حَائِلًا فَحَمَلَتْ قَبْلَ تَمَلُّكِهَا ثُمَّ وَلَدَتْ رَدَّ الْوَلَدَ مَعَ الْأُمِّ‏.‏ أَمَّا الزَّوَائِدُ الْمُنْفَصِلَةُ الْحَادِثَةُ بَعْدَ التَّمَلُّكِ، فَهِيَ لِلْمُلْتَقِطِ لِحُدُوثِهَا عَلَى مِلْكِهِ، وَمُقْتَضَى هَذَا أَنَّ الْأَمَةَ لَوْ وَلَدَتْ عِنْدَهُ رَقِيقًا أَنَّهُ يَجُوزُ التَّفْرِيقُ‏.‏ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ‏:‏ وَفِيهِ نَظَرٌ ا هـ‏.‏

وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ نَظِيرُ مَا فِي التَّفْرِيقِ بِالْفَسْخِ، وَتَقَدَّمَ فِيهِ خِلَافٌ، وَتَقَدَّمَ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ أَنَّ الْحَمْلَ الْحَادِثَ بَعْدَ الشِّرَاءِ كَالْمُنْفَصِلِ، فَيَكُونُ الْحَادِثُ هُنَا بَعْدَ التَّمَلُّكِ لِلْمُلْتَقِطِ‏.‏

المتن‏:‏

وَإِنْ تَلِفَتْ غَرِمَ مِثْلَهَا أَوْ قِيمَتَهَا يَوْمَ التَّمَلُّكِ، وَإِنْ نَقَصَتْ بِعَيْبٍ فَلَهُ أَخْذُهَا مَعَ الْأَرْشِ فِي الْأَصَحِّ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

الِاخْتِصَاصَاتُ كَالْخَمْرِ الْمُحْتَرَمَةِ وَالْكَلْبِ النَّافِعِ فَلَا يَضْمَنُ أَعْيَانَهَا وَلَا مَنَافِعَهَا ‏(‏وَإِنْ‏)‏ جَاءَ الْمَالِكُ، وَقَدْ ‏(‏تَلِفَتْ‏)‏ تِلْكَ اللُّقَطَةُ حِسًّا أَوْ شَرْعًا بَعْدَ التَّمَلُّكِ ‏(‏غَرِمَ مِثْلَهَا‏)‏ إنْ كَانَتْ مِثْلِيَّةً ‏(‏أَوْ قِيمَتَهَا‏)‏ إنْ كَانَتْ مُتَقَوِّمَةً؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ يَتَعَلَّقُ بِهِ الْعِوَضُ فَأَشْبَهَ الْبَيْعَ، وَالْقِيمَةُ تُعْتَبَرُ ‏(‏يَوْمَ التَّمَلُّكِ‏)‏ لَهَا؛ لِأَنَّهُ يَوْمُ دُخُولِ الْعَيْنِ فِي ضَمَانِهِ، وَقِيلَ يَوْمَ الْمُطَالَبَةِ بِهَا‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ‏:‏ وَقَضِيَّةُ قَوْلِهِمْ إنَّهُ يَمْلِكُ اللُّقَطَةَ كَمِلْكِ الْقَرْضِ أَنْ يَكُونَ الْوَاجِبُ فِيمَا لَهُ مِثْلٌ صُورِيٌّ رَدَّ الْمِثْلَ فِي الْأَصَحِّ‏.‏ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ وَلَا يَبْعُدُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْبَابَيْنِ ا هـ‏.‏

وَلَعَلَّ الْفَرْقَ أَنَّ الْمَالِكَ فِي الْقَرْضِ دَفَعَ مَالَهُ بِاخْتِيَارِهِ فَنَفْسُهُ مُطْمَئِنَّةٌ عَلَى أَنَّ الْمُقْتَرِضَ يَرُدُّ لَهُ مِثْلَ مَا أَخَذَ‏.‏

وَأَمَّا اللُّقَطَةُ‏:‏ فَالْقِيمَةُ فِيهَا قَدْ تَكُونُ فِي يَوْمِ التَّمَلُّكِ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الْمَرْدُودِ، فَيَفُوتُ ذَلِكَ عَلَى الْمَالِكِ، فَيَتَضَرَّرُ بِهِ، وَحِينَئِذٍ يَظْهَرُ أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الْبَابَيْنِ أَظْهَرُ، وَلَوْ قَالَ الْمُلْتَقِطُ لِلْمَالِكِ بَعْدَ التَّلَفِ‏:‏ كُنْتُ أَمْسَكْتُهَا لَكَ، وَقُلْنَا بِالْأَصَحِّ‏:‏ إنَّهُ لَا يَمْلِكُهَا إلَّا بِاخْتِيَارِ التَّمَلُّكِ لَمْ يَضْمَنْهَا، وَكَذَا لَوْ قَالَ‏:‏ لَمْ أَقْصِدْ شَيْئًا، فَإِنْ كَذَّبَهُ الْمَالِكُ فِي ذَلِكَ صُدِّقَ الْمُلْتَقِطُ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ‏.‏ أَمَّا التَّلَفُ قَبْلَ التَّمَلُّكِ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ، فَلَا ضَمَانَ فِيهِ عَلَى الْمُلْتَقِطِ كَالْمُودَعِ، وَلَوْ عَيَّنَ الْمُلْتَقِطُ الْبَدَلَ عِنْدَ إبَاحَةِ إتْلَافِ اللُّقَطَةِ كَأَكْلِ الشَّاةِ الْمُلْتَقَطَةِ فِي الْمَفَازَةِ فَتَلِفَتْ سَقَطَ حَقُّ الْمَالِكِ بِتَلَفِ الْقِيمَةِ‏:‏ أَيْ وَالْمِثْلُ لِلصُّورَةِ كَمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْكَلَامِ عَلَى الطَّعَامِ عَنْ نَصِّ الْأَصْحَابِ، هَذَا كُلُّهُ فِي الْمَمْلُوكِ‏.‏ أَمَّا الِاخْتِصَاصَاتُ كَالْخَمْرِ الْمُحْتَرَمَةِ وَالْكَلْبِ النَّافِعِ، فَلَا يَضْمَنُ أَعْيَانَهَا وَلَا مَنَافِعَهَا ‏(‏وَإِنْ‏)‏ جَاءَ، وَقَدْ ‏(‏نَقَصَتْ بِعَيْبٍ‏)‏ أَوْ نَحْوِهِ حَدَثَ بَعْدَ تَمَلُّكِهَا ‏(‏فَلَهُ‏)‏ أَيْ مَالِكُهَا ‏(‏أَخْذُهَا مَعَ الْأَرْشِ فِي الْأَصَحِّ‏)‏؛ لِأَنَّ الْكُلَّ مَضْمُونٌ فَكَذَا الْبَعْضُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْمُقَرَّرَ أَنَّ مَا ضُمِنَ كُلُّهُ بِالتَّلَفِ ضُمِنَ بَعْضُهُ عِنْدَ النَّقْصِ، وَلَمْ يَخْرُجْ عَنْ هَذَا إلَّا مَسْأَلَةُ الشَّاةِ الْمُعَجَّلَةِ، فَإِنَّهَا تُضْمَنُ بِالتَّلَفِ، وَإِنْ نَقَصَتْ لَمْ يَجِبْ أَرْشُهَا‏.‏

وَالثَّانِي‏:‏ لَا أَرْشَ لَهُ، وَلَهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ‏:‏ الرُّجُوعُ إلَى بَدَلِهَا سَلِيمَةً، وَلَوْ أَرَادَ الْمَالِكُ بَدَلَهَا، وَقَالَ الْمُلْتَقِطُ‏:‏ أَضُمُّ إلَيْهَا الْأَرْشَ وَأَرُدُّهَا أُجِيبَ الْمُلْتَقِطُ عَلَى الْأَصَحِّ‏.‏

المتن‏:‏

وَإِذَا ادَّعَاهَا رَجُلٌ وَلَمْ يَصِفْهَا وَلَا بَيِّنَةَ لَمْ تُدْفَعْ إلَيْهِ، وَإِنْ وَصَفَهَا وَظَنَّ صِدْقَهُ جَازَ الدَّفْعُ إلَيْهِ وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمَذْهَبِ، فَإِنْ دَفَعَ فَأَقَامَ آخَرُ بَيِّنَةً بِهَا حُوِّلَتْ إلَيْهِ، فَإِنْ تَلِفَتْ عِنْدَهُ فَلِصَاحِبِ الْبَيِّنَةِ تَضْمِينُ الْمُلْتَقِطِ، وَالْمَدْفُوعِ إلَيْهِ، وَالْقَرَارُ عَلَيْهِ‏.‏ قُلْت‏:‏ لَا تَحِلُّ لُقَطَةُ الْحَرَمِ لِلتَّمَلُّكِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَيَجِبُ تَعْرِيفُهَا قَطْعًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَإِذَا ادَّعَاهَا رَجُلٌ‏)‏ مَثَلًا ‏(‏وَلَمْ يَصِفْهَا‏)‏ بِصِفَاتِهَا السَّابِقَةِ ‏(‏وَلَا بَيِّنَةَ‏)‏ لَهُ بِهَا مِمَّا يَثْبُتُ بِهَا الْمِلْكُ‏:‏ كَالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ، وَلَمْ يَعْلَمْ الْمُلْتَقِطُ أَنَّهَا لَهُ ‏(‏لَمْ تُدْفَعْ إلَيْهِ‏)‏ لِحَدِيثِ ‏{‏لَوْ أُعْطِيَ النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ‏}‏ الْحَدِيثَ، فَإِنْ أَقَامَ بَيِّنَةً بِذَلِكَ عِنْدَ الْحَاكِمِ كَمَا قَالَهُ فِي الْكِفَايَةِ، وَلَا يَكْفِي إخْبَارُهَا لِلْمُلْتَقِطِ أَوْ عَلِمَ أَنَّهَا لَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ دَفْعُهَا إلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الْعُهْدَةُ إلَّا إنْ أَلْزَمَهُ بِتَسْلِيمِهَا بِالْوَصْفِ حَاكِمٌ‏.‏ ‏(‏وَإِذَا وَصَفَهَا‏)‏ مُدَّعِيهَا، وَهُوَ وَاحِدٌ بِمَا يُحِيطُ بِجَمِيعِ صِفَاتِهَا ‏(‏وَظَنَّ صِدْقَهُ جَازَ‏)‏ لَهُ ‏(‏الدَّفْعُ إلَيْهِ‏)‏ جَزْمًا عَمَلًا بِظَنِّهِ، بَلْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ ‏(‏وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمَذْهَبِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ مُدَّعٍ فَيَحْتَاجُ إلَى بَيِّنَةٍ كَغَيْرِهِ، وَفِي وَجْهٍ مِنْ الطَّرِيقِ الثَّانِي يَجِبُ؛ لِأَنَّ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهَا قَدْ تُعْسَرُ‏.‏ أَمَّا إذَا وَصَفَهَا جَمَاعَةٌ، فَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ‏:‏ أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّهَا لَا تُسَلَّمُ إلَيْهِمْ، وَلَوْ ادَّعَاهَا اثْنَانِ، وَأَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً بِأَنَّهَا لَهُ تَعَارَضَتَا‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

احْتَرَزَ بِقَوْلِهِ وَظَنَّ صِدْقَهُ عَمَّا إذَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى الظَّنِّ صِدْقُهُ، فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ الدَّفْعُ اتِّفَاقًا، وَلَا يَجُوزُ عَلَى الْمَشْهُورِ وَلَوْ تَلِفَتْ اللُّقَطَةُ فَشَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى وَصْفِهَا ثَبَتَتْ وَدَفَعَ إلَيْهِ بَدَلَهَا كَمَا حَكَاهُ ابْنُ كَجٍّ عَنْ النَّصِّ، وَلَوْ قَالَ لَهُ الْمَالِكُ‏:‏ تَعْلَمُ أَنَّهَا لِي فَلَهُ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ لَا يَعْلَمَ ذَلِكَ، قَالَهُ الرَّافِعِيُّ ‏(‏فَإِنْ دَفَعَ‏)‏ اللُّقَطَةَ لِوَاصِفِهَا بِمُجَرَّدِ الْوَصْفِ مِنْ غَيْرِ إجْبَارِ حَاكِمٍ يَرَاهُ ‏(‏فَأَقَامَ آخَرُ بَيِّنَةً بِهَا‏)‏ أَيْ بِأَنَّهَا مِلْكُهُ، وَأَنَّهَا لَا تَعْلَمُ أَنَّهَا انْتَقَلَتْ مِنْهُ، كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ ‏(‏حُوِّلَتْ‏)‏ مِنْ الْأَوَّلِ إلَيْهِ ‏(‏إلَيْهِ‏)‏؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ حُجَّةٌ تُوجِبُ الدَّفْعَ فَقُدِّمَتْ عَلَى الْوَصْفِ الْمُجَرَّدِ ‏(‏فَإِنْ تَلِفَتْ عِنْدَهُ‏)‏ أَيْ الْوَاصِفِ لِلُّقَطَةِ ‏(‏فَلِصَاحِبِ الْبَيِّنَةِ‏)‏ بِأَنَّ اللُّقَطَةَ لَهُ ‏(‏تَضْمِينُ الْمُلْتَقِطِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ سَلَّمَ مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ تَسْلِيمُهُ‏.‏ أَمَّا إذَا أَلْزَمَهُ بِالدَّفْعِ حَاكِمٌ يَرَاهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ تَقْصِيرِهِ ‏(‏وَ‏)‏ لَهُ مُطَالَبَةُ ‏(‏الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ‏)‏ اللُّقَطَةُ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَخْذُهُ‏.‏ نَعَمْ لَوْ كَانَتْ اللُّقَطَةُ قَدْ أَتْلَفَهَا الْمُلْتَقِطُ بَعْدَ التَّمَلُّكِ ثُمَّ ادَّعَاهَا بَعْدُ، وَوَصَفَهَا فَسَلَّمَ إلَيْهِ الْبَدَلَ، ثُمَّ جَاءَ آخَرُ، فَأَقَامَ بَيِّنَةً بِهَا لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ لِتَلَفِهِ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّ الَّذِي حَصَلَ فِي يَدِهِ مَالُ الْمُلْتَقِطِ لَا مَالُ الْمُدَّعِي ‏(‏وَ‏)‏ إذَا كَانَ لَهُ تَغْرِيمُ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ فَ ‏(‏الْقَرَارُ عَلَيْهِ‏)‏ لِتَلَفِهِ فِي يَدِهِ‏.‏ نَعَمْ لَوْ كَانَ الْمُلْتَقِطُ قَدْ أَقَرَّ لِلْوَاصِفِ بِالْمِلْكِ، ثُمَّ غَرَّمَ صَاحِبُ الْبَيِّنَةِ الْمُلْتَقِطَ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ‏.‏؛ لِأَنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّ الْمُدَّعِيَ ظَلَمَهُ، وَالْمَظْلُومُ لَا يَرْجِعُ عَلَى غَيْرِ ظَالِمِهِ‏.‏ وَلَمَّا كَانَ كَلَامُ الْمُحَرَّرِ فِي تَمَلُّكِ اللُّقَطَةِ شَامِلًا لِلُقَطَةِ الْحَرَمِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ لِإِخْرَاجِهَا بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏قُلْتُ‏)‏، كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ ‏(‏لَا تَحِلُّ لُقَطَةُ الْحَرَمِ‏)‏ وَفِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا‏:‏ مَكَّةَ وَحَرَمِهَا ‏(‏لِلتَّمَلُّكِ‏)‏ بَلْ لِلْحِفْظِ أَبَدًا ‏(‏عَلَى الصَّحِيحِ‏)‏ الْمَنْصُوصِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ ‏{‏إنَّ هَذَا الْبَلَدَ حَرَّمَهُ اللَّهُ لَا يَلْتَقِطُ لُقْطَتَهُ إلَّا مَنْ عَرَّفَهَا‏}‏ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ ‏{‏لَا تَحِلُّ لُقَطَتُهُ إلَّا لِمُنْشِدٍ‏}‏ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ‏:‏ أَيْ لِمُعَرِّفٍ، فَفَرَّقَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ غَيْرِهَا، وَأَخْبَرَ أَنَّهَا لَا تَحِلُّ إلَّا لِلتَّعْرِيفِ، وَلَمْ يُوَقِّتْ فِي التَّعْرِيفِ بِسَنَةٍ كَغَيْرِهَا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ التَّعْرِيفَ عَلَى الدَّوَامِ، وَإِلَّا فَلَا فَائِدَةَ فِي التَّخْصِيصِ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ حَرَمَ مَكَّةَ شَرَّفَهَا اللَّهُ تَعَالَى مَثَابَةً لِلنَّاسِ يَعُودُونَ إلَيْهِ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْأُخْرَى، فَرُبَّمَا يَعُودُ مَالِكُهَا مِنْ أَجْلِهَا، أَوْ يَبْعَثُ فِي طَلَبِهَا، فَكَأَنَّهُ جَعَلَ مَالَهُ بِهِ مَحْفُوظًا عَلَيْهِ كَمَا غُلِّظَتْ الدِّيَةُ فِيهِ‏.‏

وَالثَّانِي‏:‏ تَحِلُّ‏.‏ وَالْمُرَادُ بِالْخَبَرِ تَأْكِيدُ التَّعْرِيفِ لَهَا سَنَةً لِئَلَّا يُظَنَّ الِاكْتِفَاءُ بِتَعْرِيفِهَا فِي الْمَوْسِمِ لِكَثْرَةِ النَّاسِ فِيهِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي الْمُتَمَوَّلِ‏.‏ أَمَّا غَيْرُهُ فَيَسْتَبِدُّ بِهِ وَاجِدُهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَإِنْ لَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ، وَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يُعَبِّرَ كَعِبَارَةِ الرَّوْضَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ لِيُخْرِجَ حَرَمَ الْمَدِينَةِ الشَّرِيفَةِ عَلَى سَاكِنِهَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ كَحَرَمِ مَكَّةَ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْجُمْهُورِ، وَصَرَّحَ بِهِ الدَّارِمِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَإِنْ سَوَّى بَيْنَهُمَا الْبُلْقِينِيُّ، وَلَيْسَتْ لُقَطَةُ عَرَفَةَ، وَمُصَلَّى إبْرَاهِيمَ كَلُقَطَةِ الْحَرَمِ وَحِكَايَتُهُ الْخِلَافَ وَجْهَيْنِ مُوَافِقٌ لِلرَّوْضَةِ وَمُخَالِفٌ لِلشَّرْحَيْنِ فِي حِكَايَتِهِ قَوْلَيْنِ ‏(‏وَيَجِبُ تَعْرِيفُهَا‏)‏ عِنْدَ الْتِقَاطِهَا لِلْحِفْظِ لِلْخَبَرِ الْمَارِّ، وَقَوْلُهُ ‏(‏قَطْعًا‏)‏ زِيَادَةٌ عَلَى الرَّافِعِيِّ فِي الشَّرْحِ ‏(‏وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏)‏ وَلَا يَجِيءُ فِيهِ الْوَجْهُ الْمُتَقَدِّمُ فِيمَنْ الْتَقَطَ لِلْحِفْظِ، وَنَقَلَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْمُلْتَقِطَ الْإِقَامَةُ لِلتَّعْرِيفِ أَوْ دَفْعُهَا لِلْحَاكِمِ‏.‏ قَالَ ابْنُ الْمُقْرِي‏:‏ وَقَدْ يَجِيءُ هَذَا التَّخْيِيرُ فِي كُلِّ مَا اُلْتُقِطَ لِلْحِفْظِ‏.‏

خَاتِمَةٌ‏:‏

لَوْ أَخَذَ اللُّقَطَةَ اثْنَانِ، فَتَرَكَ أَحَدُهُمَا حَقَّهُ مِنْ الِالْتِقَاطِ لِلْآخَرِ لَمْ يَسْقُطْ، وَإِنْ أَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً بِأَنَّهُ الْمُلْتَقِطُ وَلَمْ يَسْبِقْ تَارِيخٌ لَهُمَا تَعَارَضَتَا، وَلَوْ سَقَطَتْ مِنْ الْمُلْتَقِطِ لَهَا فَالْتَقَطَهَا آخَرُ، فَالْأَوَّلُ أَوْلَى بِهَا مِنْهُ لِسَبْقِهِ، وَلَوْ أَمَرَ وَاحِدٌ آخَرَ بِالْتِقَاطِ لُقَطَةٍ رَآهَا فَأَخَذَهَا، فَهِيَ لِلْآمِرِ إنْ قَصَدَهُ الْآخَرُ وَلَوْ مَعَ نَفْسِهِ وَإِلَّا، فَهِيَ لَهُ، وَلَا يُشْكِلُ هَذَا بِمَا مَرَّ فِي الْوَكَالَةِ مِنْ عَدَمِ صِحَّتِهَا فِي الِالْتِقَاطِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي عُمُومِ الِالْتِقَاطِ، وَهَذَا فِي خُصُوصِ لُقَطَةٍ وُجِدَتْ، فَالْأَمْرُ بِأَخْذِهَا اسْتِعَانَةٌ مُجَرَّدَةٌ عَلَى تَنَاوُلِ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ، وَإِنْ رَآهَا مَطْرُوحَةً، فَدَفَعَهَا بِرِجْلِهِ، وَتَرَكَهَا حَتَّى ضَاعَتْ لَمْ يَضْمَنْهَا؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَحْصُلْ فِي يَدِهِ‏.‏ وَلَوْ أَخَذَ خَمْرًا أَرَاقَهَا صَاحِبُهَا فَتَخَلَّلَتْ عِنْدَهُ مَلَكَهَا بِلَا تَعْرِيفٍ لَهَا‏.‏ وَقَبْلَ تَخَلُّلِهَا عَلَيْهِ إذَا جَمَعَهَا إرَاقَتُهَا إلَّا إذَا عَلِمَ أَنَّهَا مُحْتَرَمَةٌ فَيُعَرِّفُهَا كَالْكَلْبِ - الْمُحْتَرَمِ‏.‏